المقدمة
النفقة ليست مجرد التزام عادي بين الزوج وزوجته، لكنها حق أصيل وركن أساسي من أركان الحياة الزوجية، فهي الضمان الحقيقي للزوجة حتى تجد احتياجاتها الأساسية من مأكل وملبس ومسكن وعلاج، كما أنها وسيلة تحمي الأطفال وتكفل لهم حياة كريمة تليق بيهم، الشريعة الإسلامية أكدت على وجوب النفقة، والقانون المصري أيضاً نظمها بشكل واضح وقام بإلزام الزوج بتحملها بما يتناسب مع قدرته المالية وظروفه.
وعندما يتقاعس الزوج أو يمتنع عن دفع النفقة، يكون من حق الزوجة ان تلجأ لمحكمة الأسرة وتقوم برفع دعوى نفقة حتى تقوم بإسترداد حقوقها الشرعية والقانونية، وفي المقابل، إذا كانت الزوجة رفضت طاعة زوجها واعتبرت بحكم المحكمة "ناشز"، فالقانون يسقط عنها النفقة من تاريخ ثبوت النشوز حتى ترجع لطاعة زوجها مرة أخرى.
في هذا المقال، سنناقش بالتفصيل:
- ما هي النفقة في القانون المصري؟
- الأساس الشرعي والقانوني للنفقة.
- إجراءات رفع دعوى النفقة.
- صيغة دعوى النفقة الجاهزة للاستعانة بها.
- حقوق الزوج والزوجة في قضايا الطاعة والنشوز.
- أهم الأسئلة الشائعة حول دعوى النفقة.
أولاً: معنى النفقة وأساسها الشرعي
النفقة في اللغة تعني الإنفاق والصرف، وفي الاصطلاح الشرعي هي: ما يُقدَّم من مال أو طعام أو كسوة أو مسكن لمن تجب نفقته.
وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة تدل على وجوب النفقة، منها قوله تعالى: "وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" [البقرة: 233]
وكذلك قوله ﷺ : "كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يقوت".
وبذلك يتضح أن النفقة واجبة شرعاً على الزوج تجاه زوجته وأولاده، ولا تسقط إلا في حالات محددة كالنشوز.
ثانياً: النفقة في القانون المصري
القانون المصري أخذ بأحكام الشريعة الإسلامية في مسائل النفقة، حيث نصت المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية ، رقم 25 لسنة 1920 ، والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على:
"تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكماً".
وبناءً على ذلك، تشمل النفقة:
- الطعام والشراب بما يكفي حاجة الزوجة والأبناء.
- الملبس المناسب للزمان والمكان.
- المسكن الشرعي الملائم.
- مصاريف العلاج إذا احتاجت إليه.
- مصاريف التعليم للأبناء.
ويقدَّر مقدار النفقة وفقاً لدخل الزوج وظروفه المالية، مع مراعاة مستوى المعيشة.
ثالثاً: أهمية دعوى النفقة
دعوى النفقة ليست مجرد إجراء قضائي عابر، بل هي وسيلة لضمان حياة مستقرة للزوجة والأبناء، وحماية حقهم في العيش الكريم. وتكمن أهميتها في:
- ضمان حقوق الزوجة عند امتناع الزوج عن الإنفاق.
- حماية الأطفال من الحرمان المادي.
- إلزام الزوج بأداء واجباته الشرعية والقانونية.
- منع التعسف الذي قد يقع من بعض الأزواج في حرمان الزوجة من حقوقها.
وفي المقابل، يملك الزوج الحق في الدفع بعدم أحقية الزوجة بالنفقة إذا ثبت نشوزها أو خروجها عن طاعته بحكم قضائي.
رابعاً: صيغة دعوى نفقة (نموذج كامل)
إليكم الصيغة القانونية لدعوى نفقة يمكن الاستعانة بها عند رفع الدعوى:
انه فى يوم الموافق / /
بناءً على طلب السيدة/ (اسم الزوجة) المقيمة (العنوان) ومحلها المختار مكتب الأستاذ/ (اسم المحامى) المحامي الكائن (عنوان مكتب المحامى)
أنا .......... محضر محكمة .......... الجزئية قد انتقلت وأعلنت:
السيد/ .................. المقيم في .......... قسم .......... محافظة .......... مخاطبًا مع/ ..........
إن الطالبة زوجة المعلن إليه بصحيح عقد الزواج الشرعي المؤرخ في ../ ../ ....، وقد عاشرها معاشرة الأزواج ودخل بها، ولا تزال حتى تاريخه في عصمته، وإذ أن الزوج ملتزم شرعًا وقانونًا بالإنفاق على زوجته وتوفير ما تحتاجه من مأكل وملبس ومسكن وعلاج بما يتناسب مع قدرته المالية، إلا أن المعلن إليه قد امتنع عن الإنفاق على الطالبة دون وجه حق رغم يساره وقدرته المالية.
وحيث إن النفقة الزوجية تشمل الطعام والكسوة والمسكن وكافة متطلبات المعيشة، وهي دين في ذمة الزوج لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء، وحيث أن امتناع الزوج عن الإنفاق يُعد إخلالًا بواجباته الشرعية والقانونية، فقد اضطرت الطالبة لإقامة الدعوى الماثلة للمطالبة بحقها في النفقة الزوجية.
بناء علية
أنا المحضر سالف الذكر قد انتقلت وتوحهت إلى محل إقامة المعلن إليه وأعلنته بصورة من هذا الإعلان، وكلفته بالحضور أمام محكمة (اسم المحكمة) لشئون الأسرة الدائرة (اسم الدائرة ورقمها) بمقرها الكائن (عنوان المحكمة)، وذلك بجلستها المنعقدة علنًا في يوم .......... الموافق ../ ../ .... من الساعة التاسعة صباحًا وما بعدها، لسماع الحكم بإلزامه بأن يؤدي للطالبة نفقة زوجية مناسبة معجلة (طعام وكسوة ومسكن) اعتبارًا من تاريخ امتناعه عن الإنفاق وحتى قيام سبب قانوني يسقط الحق في النفقة، مع إلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة.
إجراءات رفع دعوى النفقة
رفع دعوى نفقة أمام محكمة الأسرة لا يُعد أمرًا معقدًا، لكنه يحتاج إلى معرفة دقيقة بالخطوات القانونية حتى لا تضيع الحقوق أو يتعرض الطلب للرفض. ويمكن ترتيب الإجراءات الأساسية على النحو التالي:
1. تحديد الاختصاص القضائي
2. تحرير صحيفة الدعوى
3. المستندات المطلوبة
عادة ما يتم إرفاق المستندات التالية مع الدعوى:
- وثيقة الزواج الرسمية لإثبات العلاقة الزوجية.
- شهادات ميلاد الأبناء لإثبات البنوة.
- محضر أو شهود يثبت امتناع الزوج عن الإنفاق إن وجد.
- مستندات دخل الزوج (كشوف مرتب، أو سجل تجاري، أو بطاقة ضريبية).
4. إعلان الزوج بالدعوى
يقوم المحضر بإعلان الزوج بموعد الجلسة، ويُطلب منه الحضور أمام المحكمة. وفي حالة تخلفه، تستمر المحكمة في نظر الدعوى غيابيًا.
5. دور المحكمة في تقدير النفقة
المحكمة تستعين غالبًا بـ خبير نفسي واجتماعي لتحديد مستوى المعيشة، وتطلب من الزوج تقديم ما يثبت دخله. فإذا لم يقدم بيانات صحيحة، يمكن للمحكمة أن تُقدّر النفقة تقديرًا جزافيًا وفقًا لما يتبين لها من حالته المادية.
أنواع النفقات في القانون المصري
دعوى النفقة لا تقتصر فقط على نفقة الزوجة، بل تشمل أنواعًا متعددة من النفقات، نوضحها فيما يلي:
1. نفقة الزوجة
تشمل الطعام، الشراب، الكسوة، العلاج، والمسكن. وهذه النفقة واجبة بمجرد عقد الزواج الصحيح حتى لو لم يتم الدخول.
2. نفقة الصغار
إذا كان هناك أبناء، فإن نفقتهم واجبة على الأب وتشمل:
- الطعام والكسوة.
- التعليم بما يتناسب مع مستوى الأب المادي.
- العلاج والمصاريف الطبية.
- السكن الملائم.
3. نفقة الحمل
إذا كانت الزوجة حاملًا، تستحق نفقة خاصة حتى تضع مولودها، وذلك حفاظًا على الجنين.
4. أجر المسكن والحضانة
في حالة الطلاق، يلتزم الزوج بتوفير مسكن حضانة للأبناء، أو دفع أجر مسكن للحاضنة. كما تستحق الحاضنة أجر حضانة مقابل رعايتها للأبناء.
5. المتعة والعدة
إذا وقع طلاق، تستحق الزوجة نفقة عدة (لمدة 3 أشهر) وكذلك نفقة متعة تُقدَّر بسنتين على الأقل من النفقة الشهرية.
متى تسقط النفقة عن الزوجة؟
رغم أن الأصل هو وجوب النفقة للزوجة، إلا أن هناك حالات تسقط فيها النفقة، أبرزها:
- النشوز: إذا صدر حكم قضائي باعتبار الزوجة ناشزًا لامتناعها عن طاعة زوجها والدخول في مسكن الزوجية دون سبب شرعي.
- الطلاق البائن: بعد انتهاء عدة الطلاق البائن، تسقط النفقة الزوجية (لكن يبقى للزوجة نفقة الصغار إن وجدوا).
- ردّة الزوجة أو ارتدادها عن الإسلام.
- سفر الزوجة بدون إذن الزوج أو بدون مبرر شرعي.
- حبس الزوجة في جناية أو جنحة.
وهنا يتضح أهمية صيغة الدعوى التي عرضناها سابقًا، حيث يطلب الزوج الحكم باعتبار الزوجة ناشزًا وبالتالي "لا نفقة لها".
أسئلة شائعة حول دعوى النفقة
1. كم تستغرق مدة دعوى النفقة؟
غالبًا تستغرق الدعوى بين 3 إلى 6 أشهر أمام محكمة الأسرة، وقد تطول إذا كان هناك استئناف.
2. هل يمكن الجمع بين أكثر من نوع نفقة في دعوى واحدة؟
نعم، يمكن للزوجة أن تطلب في الدعوى نفقة زوجية ونفقة صغار معًا.
3. هل يمكن تنفيذ حكم النفقة بالقوة؟
بالتأكيد، بعد صدور الحكم يمكن تنفيذه عن طريق:
- الحجز على مرتب الزوج.
- الحجز على حساباته البنكية.
- الحجز على ممتلكاته.
4. ماذا لو امتنع الزوج عن تنفيذ الحكم؟
يحق للزوجة تقديم بلاغ جنائي ضده لامتناعه عن تنفيذ حكم قضائي واجب النفاذ، وقد يُعاقب بالحبس.
5. هل يمكن للزوجة رفع دعوى نفقة بدون محام؟
من الناحية القانونية يمكنها رفع الدعوى بنفسها، لكن من الأفضل الاستعانة بمحامٍ متخصص لتجنب الأخطاء الشكلية.
الخاتمة
من خلال ما سبق، يمكن القول إن دعوى النفقة تمثل أحد الأعمدة الأساسية في منازعات الأحوال الشخصية، فهي الضمان الفعلي لحماية الزوجة والأبناء من الحرمان المادي، والوسيلة التي يكفل بها القانون استقرار الأسرة. وقد حرص المشرّع المصري على تنظيمها استنادًا إلى أحكام الشريعة الإسلامية التي جعلت النفقة واجبًا شرعيًا على الزوج لا يسقط إلا بأداء أو إبراء، باعتبارها حقًا أصيلًا للزوجة والأبناء وركيزة لحياة كريمة مستقرة.
والنموذج القانوني لصيغة دعوى النفقة (الذي أوردناه في هذا المقال) يمثل مرجعًا عمليًا يمكن للمحامين أو الأزواج الاستعانة به في حالة النزاع.
لكن من المهم أن نتذكر أن الهدف من النفقة ليس فقط الجانب المادي، بل هو تحقيق السكينة والاستقرار الأسري، وأن الأصل في العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة، لا النزاع أمام المحاكم.
