دليل المحامي دليل المحامي
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

معاهدة السلام المصري الإسرائيلي: قصة سياسية غيرت تاريخ الشرق الأوسط

مقدمة

الحقيقة إن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل مش مجرد ورقة مكتوبة أو حدث عابر في صفحات التاريخ. دي لحظة فاصلة في حياة المنطقة كلها. لحظة غيرت خريطة الصراع العربي الإسرائيلي، وفتحت أبواب جديدة للسياسة، وأثارت جدل لحد النهارده مازال قائم. في ناس بيشوفوا إن المعاهدة كانت إنقاذ لمصر من دوامة حروب مالهاش نهاية، وفي ناس بيشوفوا إنها كانت تنازل كبير عن مبادئ وقضايا عربية أهمها فلسطين.

اللي يخلي الموضوع أعقد إن المعاهدة ما جاتش فجأة. قبلها كان فيه سنين طويلة من الصراع، وحروب أكلت أرواح وفلوس وأحلام. ومن هنا لازم نرجع خطوة ونسأل: إيه اللي وصلنا للسلام؟ وليه مصر تحديدًا اختارت طريق المفاوضات بعد ما كانت رافعة شعار "لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف"؟

من النكسة للأمل: مصر بعد 1967

الهزيمة اللي اتعرضت لها مصر سنة 1967 كانت قاسية جدًا. البلد فقدت سيناء بالكامل، الجيش خسر سلاح وعتاد، والشعب عاش إحساس مرير بالانكسار. الصحف وقتها كانت كلها حزن وغضب، والبيوت في كل قرية ومدينة كان فيها شهيد أو مفقود.

لكن المصريين ما استسلموش. الدولة بدأت تعيد بناء الجيش من جديد، وتجهزه لمعركة رد اعتبار. وعلى مدار ست سنين، الكل كان مستني اللحظة اللي هيرجع فيها الكرامة. وفعلاً حصل اللي محدش كان متوقعه: في أكتوبر 1973 الجيش المصري عبر قناة السويس وحطم خط بارليف، ورفع العلم على أرض سيناء.

النصر ده مش بس رجع الثقة للجيش والشعب، لكنه فتح الباب لمسار جديد. لأول مرة من 1948، إسرائيل تحس إنها مش في أمان كامل، وإن الحرب مش دايمًا في صالحها. وهنا بدأ الكلام عن السلام.

السادات ورؤيته المختلفة

أنور السادات كان عنده نظرة مختلفة عن كتير من الزعماء العرب. هو شايف إن الحرب حققت هدفها السياسي والعسكري: إثبات إن الجيش المصري قادر، وإن الأرض مش سايبة. لكن استمرار الحرب يعني استنزاف اقتصاد بلد كان محتاج يتنفس بعد سنين تعب.

السادات كان مؤمن بفكرة "القرار المصري المستقل". وده ظهر في لحظة شهيرة لما قال: "أنا مستعد أروح آخر الدنيا لو ده هيجيب السلام". وفعلاً عمل حاجة ماحدش توقعها: راح بنفسه للقدس وخطب في الكنيست الإسرائيلي سنة 1977.

الخطوة دي كانت زلزال سياسي. الشارع العربي انقسم بين مصدوم وغاضب ومندهش. حتى جوا مصر، ناس قالوا "ده شجاعة" وناس تانية قالوا "ده تطبيع وخيانة". لكن السادات كان واضح: هو عايز يرجع سيناء كلها، وعايز يوقف الحروب اللي استنزفت البلد.

كامب ديفيد: المفاوضات الأصعب

بعد زيارة السادات للقدس، بدأت مفاوضات السلام بشكل رسمي. أمريكا دخلت وسيط، والرئيس الأمريكي جيمي كارتر استضاف السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن في منتجع "كامب ديفيد" سنة 1978.

المفاوضات دي كانت طويلة ومليانة توتر. أوقات كانوا يقفلوا الأبواب بالساعات عشان يحاولوا يتفقوا. كارتر لعب دور كبير في تقريب وجهات النظر، وكان بيحاول يقنع كل طرف يقدم تنازل معين.

النتيجة كانت "اتفاقيات كامب ديفيد"، اللي حددت المبادئ الأساسية للسلام: انسحاب إسرائيل من سيناء، وضمان حقوق الفلسطينيين، وتطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل.

توقيع المعاهدة وردود الفعل

يوم 26 مارس 1979، في البيت الأبيض، وقف السادات وبيغن وكارتر ووقعوا على معاهدة السلام. المشهد كان تاريخي. الكاميرات صورته، والصحف العالمية احتفت بيه، لكن في المقابل، العالم العربي غضب بشدة.

الجامعة العربية قررت تجمد عضوية مصر وتنقل مقرها من القاهرة لتونس. دول كتير قطعت علاقتها مع مصر، وبدأت حملة واسعة ضد السادات شخصيًا. لكن في نفس الوقت، مصر رجعت سيناء، والجيش الإسرائيلي انسحب تدريجيًا من كل شبر فيها.

مكاسب مصر: الأرض والسلام والدعم الدولي

المكسب الأكبر لمصر كان رجوع سيناء كاملة، من غير حرب جديدة. ده معناه إن آلاف الجنود اللي كان ممكن يموتوا في معركة تانية، عاشوا. ومعناه كمان إن البلد قدرت تركز على الاقتصاد والتعليم بدل ما كل مواردها تروح للحرب.

كمان مصر دخلت في شراكة قوية مع أمريكا. حصلت على مساعدات اقتصادية وعسكرية كبيرة. الدعم ده ساعد في تحسين البنية التحتية، وتقوية الجيش بأسلحة حديثة.

الانتقادات المستمرة

رغم المكاسب، المعاهدة ما سلمتش من النقد. فيه ناس قالوا إنها همشت القضية الفلسطينية، وإن إسرائيل ما التزمتش فعليًا بحقوق الفلسطينيين. وفيه اللي شاف إن مصر خرجت من الصف العربي، وإنها بقت قريبة من أمريكا بشكل مبالغ فيه.

حتى جوا مصر، كان فيه ناس مش راضية. وده ظهر بشكل واضح لما السادات اتعرض لانتقادات حادة من معارضين، سواء سياسيين أو مثقفين أو حركات دينية.

اغتيال السادات: ثمن القرار

في 6 أكتوبر 1981، أثناء العرض العسكري اللي كان بيحتفل فيه بذكرى حرب أكتوبر، مجموعة متشددة اغتالت السادات. السبب الأساسي: رفضهم لمعاهدة السلام، واعتبارهم ليها خيانة. الاغتيال ده كان رسالة إن المعاهدة مش مجرد ورقة سياسية، لكن كانت زلزال هز المجتمع المصري من جواه.

المعاهدة في زمن مبارك وما بعده

بعد اغتيال السادات، جه حسني مبارك رئيس لمصر. من أول لحظة كان واضح إنه مش ناوي يفتح جبهة جديدة للحرب. بالعكس، قرر يكمّل في طريق المعاهدة. العلاقة بين القاهرة وتل أبيب وقتها ما كانتش "صداقة" بالمعنى الحرفي، لكن ما كانتش عداوة مفتوحة برضه. ناس كتير وصفت الوضع ده بأنه "سلام بارد". يعني الورق بيقول في معاهدة، وفي سفارات، وفي تبادل رسمي، لكن الشارع المصري نفسه ما قدرش يبلع الفكرة بسهولة.

السادات دفع حياته تمن قراره، ومبارك كان واعي إن التراجع أو التهور ممكن يولّع البلد كلها. علشان كده فضّل يسيب الوضع كما هو: معاهدة موجودة، التزام كامل، وفي نفس الوقت دعم معلن ومستمر للقضية الفلسطينية. مصر بقت دايمًا في النص: لا بتحارب، ولا بتتخلى عن دورها العربي.

المعاهدة ما وقفتش عند عهد مبارك. بعدها جه زمن ثورة يناير، الحكم انتقل من إيد لإيد، ورغم الفوضى السياسية اللي عاشتها البلد، الاتفاقية نفسها فضلت صامدة. حتى مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي، فضل السلام قائم، ومصر كملت دورها كلاعب إقليمي أساسي.

تأثير المعاهدة على الشرق الأوسط

مفيش شك إن توقيع مصر لمعاهدة سلام مع إسرائيل قلب موازين المنطقة كلها. لأول مرة دولة عربية كبرى بتقول رسميًا: "أنا بعترف بإسرائيل". الخطوة دي هزّت العالم العربي من المحيط للخليج. البعض شافها خيانة، والبعض شافها شجاعة.

المعاهدة كمان كانت بداية مسار طويل. بعدها بسنين دول تانية زي الأردن، وبعدين في مراحل متأخرة دول خليجية، مشيت في نفس الطريق. يعني اللي كان مستحيل في يوم من الأيام، بقى واقع.

ومن ناحية تانية، مصر قدرت تبعد نفسها عن حرب رابعة ما كانش هيبقى ليها آخر. الجيش رجع يركز على حماية الحدود، والبلد بدأت تلتفت للتنمية الداخلية بدل ما تفضل مستنزفة في حروب. ومع ذلك، القاهرة فضلت موجودة كوسيط رئيسي في كل هُدنة أو وقف إطلاق نار بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كأنها بتقول: "أنا مش هاحارب، لكن لسه ليّا كلمة في الملف ده."

المصريين ونظرتهم للمعاهدة دلوقتي

النهارده، وبعد أكتر من أربعين سنة، النظرة بقت مختلفة. الجيل اللي عاش الحرب والسلام عنده ذكريات، عنده غضب أو عنده مبررات. لكن الأجيال الجديدة اتولدت على واقع مختلف. بالنسبة لهم، إسرائيل موجودة، وسيناء موجودة مع مصر، والمعاهدة أمر واقع مش جدل يومي.

فيه ناس بتقول: "المعاهدة أنقذت مصر من خراب اقتصادي وحروب مالهاش نهاية." وناس تانية شايفة إنها قيّدت حركة مصر وخنقت دورها في المنطقة. الحقيقة غالبًا واقعة في النص.

لكن حاجة واحدة محدش يقدر ينكرها: سيناء رجعت كاملة. الأرض رجعت، والعلم المصري اترفرف على حدود كانت محتلة. وده في حد ذاته بالنسبة لكتير من المصريين إنجاز عظيم.

الخاتمة

المعاهدة المصرية الإسرائيلية مش مجرد ورقة توقّعت. هي فصل كامل من تاريخ مصر الحديث. قرار جرئ وصعب، دفع تمنه السادات بحياته، وكمل بعده كل الرؤساء.

السياسة عمرها ما كانت أبيض أو أسود. أحيانًا بتضطر تختار أهون الضررين، وأحيانًا بتضطر تمشي في طريق الناس كلها شايفاه غلط علشان تنقذ بلدك. المعاهدة مثال حي على ده.

في الآخر، سواء اتفقت أو اختلفت معاها، لازم تعترف إنها غيّرت شكل الشرق الأوسط. خلت مصر تبعد عن الحرب المباشرة، وفتحت باب جديد للعلاقات، حتى لو فضل السلام "بارد". ولسه لحد النهارده، كل ما يتفتح النقاش عن مستقبل المنطقة، بيرجع الكل يتكلم عن المعاهدة كعلامة فارقة ما ينفعش نتجاهلها.

عن الكاتب

Yasser Ahmed ياسر أحمد , محامى مصرى . خبير تحسين محرّكات البحث (SEO). منشئ محتوى ومعلن. مرشد وخبير في برنامج خبراء منتجات جوجل، صانع تصبيقات الأندرويد ، مالك ومطور تطبيق دليل المحامى و نور الإسلام .

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

دليل المحامي